الدستور – محمد العامري
يعرض محمد الجالوس تجربته الجديدة (وجوه من الداخل) في غاليري الاندى، وهو عضو رابطة الفنانين التشكيليين وعضو رابطة الكتاب وله تجارب في كتابة القصة القصيرة والنقد الفني.
وقد اقام من قبل 17 معرضا شخصيا اضافة الى مشاركاته المتنوعة على الصعيدين الدولي والمحلي.
رافق المعرض كتيب ضخم وثق مجمل الاعمال المعروضة وقدم له الفنان والناقد محمد ابو زريق، ويشكل هذا الكتاب وثيقة مهمة ترصد هذه التجربة الخاصة للجالوس.
في هذه التجربة يرتكز الفنان على عنصر محوري هو الوجه الانساني بكل حالاته، حيث يدخل الى جوهر الانسان عبر الوجه لنجد الوجوه المنكسرة والوجوه المتسائلة والخائفة من خلال خطوط اختزالية تظهر وتتلاشى عبر تقنيات عالية في السطح التصويري الذي يجمع بين النحت والرسم والحس الغرافيكي في بناء العمل، فعلى صعيد الموضوع استطاع الجالوس ان يثور شكل الوجه من خلال الخوف والاضافة في سباق ايقاعي اشبه بالتكرارات المتنوعة في المساحة الواحدة مما انقذ الفنان من الدخول في نمطية اللوحة، واستطاع ان يضع حلولا عبر التنوع اللوني المتجاور والعميق ما جعل مشهدية اللوحة اكثر عمقا وغنى.
اضافة الى ما سبق وظف الفنان تقنية المعاجين والحفر والمساحات البارزة والغائرة لانتاج تنوع في الملمس والابعاد البصرية على حد سواء وغالبا ما يركز الفنان على القيم اللونية الدقيقة التي جاءت من خلال خبرة طويلة في التجريب اللوني الذي اخذ الفترة الاطول في التجربة.
واستطيع ان اسمي لوحة الجالوس (لوحة الخبرة) التي تحالنا دائما الى سؤال جمالي متوالد ومتحرك مما ساهم في دفاع اللوحة عن كينونتها على الجدار، ويشكل هذا الدفاع جزءا من خلود النص ونموه في منطقة العرض والمشاهدة لتعيش حياة جديدة من خلال تعدد وتنوع القراءات، فالوجه لدى الجالوس في هذا المعرض يشكل المفتاح الاهم للدخول الى ما بعد الشكل البارز (الوجه) ولذلك نجد سطحه التصويري اشبه بالاقنعة اللونية المعتقة والمتعددة ولا يمكن التقاطها الا عبر المشاهدة الميكروسكوبية الواعية، تلك العين التي تحظى بالبصر والبصيرة للدخول في جوهر السطح الممتلىء بازمان مختلفة عبر الترداد الايقاعي وعبر طبيعة السطح نفسه، وقد انتظم الايقاع من خلال حركة المربع المشغول بالوجوه والخالي منها.
في الجانب الآخر اكد الجالوس طبيعة لوحته عبر التأكيد على هامش اللوحة المرتبط لونيا ببؤرة اللوحة المركزية كعامل مساعد لوصل ما هو داخل وما هو خارج من اللوحة.
والمتسائل عن هذه الوجوه يلحظ ان الفنان اشتغل عليها منذ عام 1991 من خلال معرض مائي ورسومات بالحبر الاسود وظلت هذه الوجوه تلاحقه وصولا الى تجلياته في (وجده من الداخل)، فلم يكن الوجه دخيلا على التجربة بل جاء امتدادا طبيعيا.
ففي السنوات السابقة جسد الفنان الوجه بانسانيته وتحول في هذه التجربة ليحل محل الجسد ويظهر بخطوطه القوية والمختزلة كعامل معبر عن تاريخ الوجه لدى الجالوس، ليصل الفنان عبر هذه الاختزالات الى الوجه كظل على السطح في محاولة منه لدعوة المشاهد لاغماض عينيه للبحث عن (الوجه الظل).