رمزية واضحة و اختزال تشكيلي في معرض الفنان محمد الجالوس
افتتح الامين العام المساعد لشؤون الثقافة و الفنون بدر الرفاعي معرض الفنان الاردني محمد الجالوس في قاعة احمد العدواني، حضر الافتتاح السفير الاردني محمد المنفي القرعان، و السفير التونسي بشير الشيعان، و عدد من الفنانين التشكيليين الكويتيين و ابناء الجالية الاردنية في الكويت و جمهور من متذوقي الفن التشكيلي اضافة الى عدد من الاعلاميين و الصحفيين.
و قد عرض الفنان الاردني محمد الجالوس تجربته الجديدة في الفن التشكيلي حيث اختزل الشكل و صار اقرب الى انحت البارز لتتحول اللوحة بذلك الى احفورة اسطورية.
و قد اعتمد في لوحاتة عن العجن اليدوي مستعينا بورق الكرتون و نشارة الخشب و و مادة الغار و مواد لونية ليظهر الشكل النهائي للوحة بملمس خشن و نحت بارز.
كما اختزل الفنان الجالوس اللون في هذه التجربة الجديدة ليعيدنا بذلك الى عالم الكهوفو عالم البحث عن الاحافير.
المومياء
و جائت لوحة الجالوس على شكل مومياء، حيث ركزفيها على الوجه دون اعطاء تفاصيل دقيقة او ملامح مميزة لهذا الوجه، و نذلك الغى الفنانن الجالوس التحديد الشخصي للشخصيات، فالكل هنا في عالم الارض هم من البشر، و يبقى الانسان هو الانسان بعيدا عن اللون و الجنسية او الحسب و النسب، كما الغى الجالوس في لوحاته التفرقة بين الرجل و المراة، الكبير و الصغير لاننا في النهاية جميعنا بشر.
هو…و هي
و يبقى التالف و التمازج و الانسجام بين هو…و هي. الفنان له رؤية بين العلاقة ما بين الذكر و الانثى، انها محبة..مودة..انسجام، لا عداء او تنافس او تحد، تظهر مثل هذه النظرة الرومانسية من خلال لوحته الرائعة التي اطلق عليها اسم ‘هو…و هي’، حيث تمازجت الالوان و تداخلت و جاء هو و جائت هي بدرجات الالوان المشرقة نفسها التي توحي بالسعادة و الانسجام التام.
المراة…حب و عطاء و صبر
و للمراة مكانة خاصة في قلب و ضمير و عقل الفنان محمد الجالوس، فهي رمز للحب و رمز للعطاء و هي عنوان للصبر، و جاءت هذه المفاهيم الثلاثة عبر لوحته ‘امراة و ثلاثة وجوه’ركز على الوجه الاول على معنى الحب، حيث تالقت شفتا المراة باللون الاحمر، و الاحمر هو رمز الحب، و جاء اللون الاخضر في الوجه الثاني، و الاخضر يدل على النماء و العطاء و الخير.
اما الوجه الثالث فقد جاء كئيبا حزينا يغطيه السواد دليلا على الحزن،و المراة بطبيعتها صبورة و تتحمل ما لم يتحمله الرجل، فهي عنان الصبر.
يوم لك و يوم عليك
اراد الفنان من خلال لوحاته ان يوضح لنا كلمة الحياة و مغزاها، فهي لا تدوم على حال، يوم تضحكنا و يوم تبكينا،و قد قالوا في الامثال ‘يوم لك و يوم عليك’، و طبق الفنان هذا المثل الشعبي عبر لوحته ‘وجوه’.
فتارة ترى وجوها مشرقة متالقة بالوان تثير البهجة و السرور، و تارة نرى وجوها كئيبة مظلمة سوداء من شدة الجزن.
عشق
و لكن و مع كابة الحياة يظهر شيء مقدس فيها، ينسي الانسان همومه و احزانه،لينير درب الحياة و يخفف وطاة الحزن فيها الا و هو العشق.
الفنان الجالوس لا يتصور الحياة بدون عشق، بل هو سر السعادة و الاشراق و النضارة، لذلك جاءت لوحة ‘عشق’، بما فيها من رومانسية و دفئ،بالوان مشرقة ساطعة تترجم معنى النشوة الحقيقية في الحياة عندما يتلاقى الاحبة و تتهامس العيون و تتلاقى الشفاه.
غيابه قد طال
و مع الحياة و مع العشق يبقى الجانب المؤلو و الموجع هو الاقوى، فما دام هناك غائب تبقى الفرحة ناقصة، و في الكويت غصت لان غياب الاسير قد طال، جاءنا الفنان الجالوس بلوحة ‘غياب’ ليشاركنا حزننا على غياب الاسير الكويتي حيث يبرز وحه الغائب باللون الرمادي، دلالة على حزنه و المه و ارتقابه للغد الغامض، و تظهر وجوه اخرى بجواره باللون نفسه، بل اغمق، وجه ملتفت الى اليمين موح بالبحث عن هذا الغائب و وجه ينظر الينا بشدة و حزن بالغ ينتظر عودة غائبه، و جاء هذا الوحه باللون الاسود دلالة على حزن ذوي الاسرى على غياب ابنائهم، فهم في حالة قاسية من العذاب و الهوان لا تقل في عذابها عن معاناة الغائب نفسه.
العيون لغة التعبير
و في اطار الحزن نفسه، عبر الفنان الجالوس عن هذا الحزن العميق الذي يعترينا في حياتنا بلوحة اطلق عليها اسم ‘شجن’، ركز فيها على وجوه بال ملامح دقيقة ما عدا العيون، ذلك الان العيون عنده هي لغة التفاهم و الحوار …العيون و هي التي تفضح صاحبها…تفضح حزنه و اهاته و ويلاته كما تفضح سعادته و ابتهاجه، جاءت العيون في لوحة ‘شجن’ حزينة ذابلة، فالصورة لا شيء فيها يدل على الحزن سوى هذه العيون، و التركيز على العيون هنا جاء مقصودا من قبل الجالوس.
ابداع حقيقي
بتجربة الفنان الجالوس الجديدة استطاع بكل جدارة ان يبدع و ان يلفت الانتباه الى لوحاته و كثرت التساؤولات حول العجينة بخلطتها السرية التي شكلت لوحاته النحتية البارزة بما فيها من معان و وجهات نظر مختلفة و افكار جديدة تناولها باسلوب رمزي، لكن هذه الرمزية غير غامضة، بل واضحة بعض الشيء، يمكن لمتذوقي الفن التشكيلي ان يفهموها، و كذلك يمكن للنقاد المبدعين ان يدركوا معناها.
كتبت:- نورة ناصر