يقترب محمد الجالوس في معرضه الاخير ‘وجوه من الداخل’ للمزاوجة بين الرسم و النحت ليبدو سطح اللوحة مليئا بالتضاريس النافرة و التعرجات و التشكيلات و الكتل التي تثري موضوعه.
استعاض الفنان المولود عام 1960 في عمان عن الابعاد الفيزيائية للنحت بالالوان و درجاتها لاظهار التنوع مقابل التكرار الذي يمكن ان يثقل الموضوع الواحد.
وقارب في معرضه الذي رعاه مدير عام ‘فاست لينك’وضم زهاء 40 لوحة بين التشخيص و التجريد، مكنته الثانية من الانفتاح عبر حرية استخدام اللون من الانتشار على مساحة اللوحة و بنائها لاغناء الموضوع، فالمؤلفات الفنية لا تطبق التماثلات الكاملة (…) و لكي يتوصل الفنان الى التوازن فانه ينظم المكان الداخلى للوحة، سواء في المراكز التي تجذب العين او الفواصل التي تمنح الراحة لها، بحسب ‘كوستن بوماتوف’.
الجالوس في معرضه الشخصي الثامن عشر اعتمد في تقنياته الجديدة على معجونة الورق الملون كخامات لبناء لوحته، للخاصية التي توحي بها المعجونة للمادة الاولى التي خلق منها الانسان ‘الطين’ التي دلته عليها رحلته الى حارات القدس قبل اربعة اعوام ليرى الجدران مغلفة بالحزن و الصمت لتدله المشاهدة الى الذاكرة و الحكايات التي سمعها طفلا، و من بين الجدران بحث عن الوجوه التي ذهبي او تلاشت في الصمت، و عن احلامها التي لم تتحقق، فيعيد ملامحها بالوان التراب و الجدران التي تكون بمثابة مرايا اناتنا، و يعيد تفاصيلها من ذاكرته المثقلة بالغرابة و الحنين.
ترجع وجوه من الداخل لتسرد حكايتها، فالوجوه عنوان مشاعر الانسان و هويته، و مجس اتصاله بالكون و اداة تعبيره.
و ربما هو القناع الذي يخفي وراءه همومنا و ماسينا…. و احلامنا و وهو لذلك اشبه بالسطح الذي يتلون بحرارة دواخلنا، لهذا اختلفت الوجوه و تباينت وفق معالجة ‘الفريسكو’ التي كان لكل واحدة منها فضائها و الوانها و ملامحها.
و الوجه هو علبة الذاكرة التي لا تتص الوان و انما تعكسه بالكيفية التي تلامس القلب و شغفه.
يقول الجالوس: ان معرضه جاء ‘للبحث عن داخل اعماق الانسان من خلال ما يظهر على الوجه’، وهو محاولة للانتقال من الرسم الى النحت وفق درجات اللون الترابي و الازرق و الرمادي لابراز الاختلاف بتنوع الثيمات…
و يفسر التقسيم الشطرنجي في مساحات اللوحة تعدد القصص التي ينطوي عليها اصحاب هذه ‘الوجوه’، و يقول : ‘ ان الشهداء لا يتشابهون، ذلك لان لكل صورة خصوصية’.
تجربة الجالوس الذي تخرج العام 1981 من معهد الفنون الجميلة بعمان فضلا عن حصوله على بكالوريوس لادارة الاعمال تاتي لتلخص تجارب سابقة اشتغلها الفنان عن المكان، و خصوصا حارات القدس و السلط، و اشتغاله على دراسة اللون عبر تجريجية ‘البوب ارت’ عبر تطويعه لفكرة ‘المكاتيب’ كلوحة فنية و هي تجربة تقلل المساحة بين الذاكرة و المرئيات البصرية و الاسلوبيات لتجمع معا على سطح واحد كما هو الوجه يختزل دواخلنا.
ووصف الناقد د.مازن عصفور المعرض الذي يتسم بنزعة الجراة و المغامرة في التاليف و التجريب وهذه النزعة ليست بالسلبية كونها تعطي للفنان الجالوس فسحة التنقل التقني و الاسلوبي في حالات تعبيرية تتبدل و تتنوع في محاولة دؤوبة لاكتشاف الجديد و تطويره.
و قال: ‘ان معرضة الاخير يتوزجه نجو تكريس الاكسدة الزمنية للسطوح لاضفاء الترابط العضوي في تكويناته و مه ذلك يبقى الانسان و المكان و الزمن هاجس تكويناته و فضاءاته’.
واعتبر الفنان التشكيلي عبدالرؤوف شمعون ‘ ان لوحات الجالوس تنتقل من اختبار المادة الى تاكيد طاقاتها الكامنة في احداث تاثيرات و صلت مداها الى العمق السري للوجه البشري لا من خلال الملامح الفيزيائية و انما لتلك المساحة النفسية غير المفصولة عن اثر الزمن، اعتقد انه اجتهد كثيرا لايصال فكرة الفنان في تجاوزه المالوف التشكيلي على السطح’.
وزاد ‘ان الفنان اعطى اولوية خاصة للتقنية فقدم بها جمالية متزنة و متوازنة بعناصرها، انها روح جديدة تتقدم بجراة تستحق الاحترام’.
الفنان اسماعيل شموط قال: انه فنان نشيط اثبت حضورا فنيا متميزا وزاد ان معرض الوجوه تجربة ليست جديدة طرقها عدد من الفنانين غير ان الجديد فيها حساسية الالوان و طاقاتها.
و عتبر الفنان التشكيلي ابوزريق المعرض نقلة جديدة للفنان الجالوس تقنية و موضوعا و هو محطة اخرى للفنان الذي لا يتوقف عن التجريب و المغامرة.
و الجالوس عضو رابطة التشكيليين و الكتاب صدرت له مجموعة قصصية بعنوان ‘ذاكرة الرصيف’، عمل في مجال التعليم و شارك في العديد من المعارض و المهرجانات العالمية.
بقلم : حسين نشوان