افتتح في الشارقة معرض الفنان التشكيلي محمد الجالوس، الذي جاء ضمن احتفالات قناة القصباء ببدء الانشطة الثقافية والفنية، التي تعتبر من اضخم المشاريع الثقافية والفنية على الصعيد العربي ويزيد من قيمتها جمال المعمار وروعة التجهيزات.
وقد جاء في كلمة الكتيب الذي طبع في هذه المناسبة، للناقد العربي طلال معلا:
ربع قرن من العطاء، وبجدية الباحث المنشغل بتكريس المفاهيم وفقاً لما يتبدل وما يتحول في المستحدثات الإنجازية الإنسانية، يسعى محمد الجالوس لتثبيت رؤيته الفنية في أكثر من إطار تشكيلي وقد استطاع بانحيازه التام للإبداع الإنخراط في الولاء المطلق لعوالم اللوحة، كما شق بجد لغة الأحاسيس ورحالة يقرأ الطرق ومداخل المدن وجدران الحياة.
ارتجال الأساليب والإنقلاب عليها قاد الجالوس إلى التفرد، لتعزف الوجوه مرارة تحققها، وتنحت صمتها على أبصارنا، بإعتبارها حقائق لحظية نعايشها في كل موقع، ومصائر شكل مجموعتها الإيقاعي رمزاً لسرد تصوغه اللوحة بطاقة الحياة… إنها المشاعر المكثفة القادرة على بث البصيرة وعدالة التجدد، وكما تحتل الحياة مساحة اللوحة فإن وجهاً آخر يبرز مشيراً إلى الموت بمجمولاته الرمزية وشيماته العاطفية بحيث تمتزج الرؤية المركزة لوجوه الجالوس بمختلف عناصر بنائها وتكويناتها، القماش واللون والمعاجين والمساحيق والمعادن المسحوقة وكل ما يمكن البصر من تجاوز الملامس واحتكاكات جسده سطح العمل الفني للوصول إلى إنبعاث متجدد تظهر فيه الرؤية من قوة الغناء لتبدأ الإنطلاق من وجوم العيون إلى خصب الإستمرار.
النظر إلى أعمال الجالوس ولوج مباشر إلى العلاقة بين الإنسان ومصيره وما يعتمر كينونته ووجوده من خوف وإحباط وآلام، وفي ذات الوقت فإن الإصرار على الحياة والسعي إلى الخلود والإنسجام مع فكرة الزمن انما تبعث في رؤيتنا طاقة المعاني والأخيلة وتجاوز الخواء الذي تفرضه حضارة الآلهة والوهم الرقمي وعوالم الإغتراب المعاصر..إنها نظرات إلى مستقبل الإنسان بإعتباره مشروع حياة أكثر مما يفرض عليه كي يكون جثة، أي إعتبار الإنسان قيمة مرئية كون الموت لا يحمل إمكانية رؤيته فما يرى هو الحياة ونحن نرى ما يحمله الآخر عنا وما يكونه من مفاهيم اتجاهنا…هكذا يمكن أن نرى عيون وجوه الجالوس الغائمة وهي تسعى لتحديد ماهيتنا..إننا نتبادل الفرجة معها، وكما ننظر إليها فإنها تنظر إلينا، إن لم يكن على المستوى الفاصل بين الحياة والموت حقيقة فعلى الأقل على المستوى الإجتماعي الذي يربط ظمأ نيتنا بظمأ نيتهم.
لا شك أن لكل وجه من هذه الوجوه مأزقه ومحنته، أحلامه ورؤاه وشروطه وأسراره وإذا كانت هذه الوجوه بتعددها تحمل مسارات وعي المبدع من جهة فإنهابلا شك تحمل وعي الرائي والناقد والمحاور لمعاني الدهشة المتولدة من كون هذه الوجوه بوابات تنقلنا إلى مجالات أبعد مما نتوقعه أو نحاول الوصول إليه عبر ديمومة العلاقة بين الميلاد والفناء، البذرة المدفونة والثمرة التي تمنح الحياة.
انها دعوة للتحديق في ذواتنا التي تخفي أكثر مما تظهر ودعوة للإطلال على الإنتصار للفنان في دعوته للنفاذ إلى الكون المرئي الحي، وتخيل المستقبل بقواه الهائلة وحقيقة مآزقه وصدماته..إنها دعوة صريحة لجعل الفن مرئياً مرة أخرى