محمد الجالوس في معرضه ‘شجن مجرد’ بعمّان:


عمّان ـ موسى برهومة

يعوّل الفنان التشكيلي الأردني محمد الجالوس على التجريد في تجربته الفنية الجديدة التي قدمها في معرضه (شجن مجرد) بصالة مركز رؤى للفنون بعمّان. ويرى أن التجريد هو’الدخول الدائم للطبيعة كمرجع’، فضلاً عن كونه ‘متعة أمارسها بنشوة الاكتشاف’، على ما أدلى به الجالوس في ندوة نقدية تضمنت شهادات فنانين ونقاد وشعراء عن تجربة معرضه الذي يستمر حتى العاشر من الشهر الجاري.


وفي مقاربته لتجربته الجديدة، يشير إلى أن فيها عودة إلى مقولة الفيلسوف الألماني هيغل التي تحيل مرجعية التجريد إلى الطبيعة، فـ’هاهو الوجه يصبح رمزاً لكتلة ويخترق المربع بعد أن فقد مسماه الاجتماعي التعبيري وتحول الى البصري المجرد’.


ورأى نقاد في تجربة الجالوس تطوراً فنياً وتقنياً يسير في اتجاهات عدة. واعتبر الفنان التشكيلي الرائد عبدالرؤوف شمعون أن في ‘وجوه الجالوس نسقاً بصرياً يسهم في الانتقال التدريجي من وجه لآخر’، لافتاً إلى أنه ‘لا وجود لنقطة مركزية، أي لا وجود مغايراً في الشكل أو في الحجم أو في اللون كي يصير منطقة جذب استثنائية’. ومن شأن هذه الحركة البصرية، كما يضيف شمعون، أن تنقل المشاهد إلى نسق متوال هندسياً، ‘بحيث يصعب على المشاهد أن يحسم رغبته في التوقف عند وجه محدد’.
وفي مداخلة جاءت أشبه بمقاربة أدبية وتأويلية لأعمال الجالوس أشار الشاعر موسى حوامدة إلى أن الفنان ‘لم يكتفِ بخصيصة الوجه الواحد، أو ميزة اللون المنفرد، فراح يكثر من تعداد الوجوه، ومن مزج الألوان؛ الرمادي مع الترابي، الترابي مع الأزرق، الأحمر مع الطيني، الترابي مع الأبيض، الأبيض مع الأصفر، الطبيعي مع البني، الأبيض مع الأخضر النافر أو الداكن، فاتحاً مخزن الألوان على اتساعه، مؤكداً أن لغة الطين ليست واحدة، وأن لون الحياة ليس صنفاً بعينه، لكن الألم الذي انغرس داخله وهو يقبل يدي والدته، ملفتاً قلبه إلى جهة بعيدة، ظل ينز في داخل روحه حتى صار وطناً، يمتد داخل إطار اللوحة، ويمضي عميقاً حتى يضل طريقه وسط غابة اللون الطبيعي، وهو يلوح بلون النور’.


ويمكن تناول تجربة محمد الجالوس في (مجرد شجن) من زوايتين، حسبما أفاد الفنان في تصريح لـ’المستقبل’، الأولى تقنية ‘تتعلق بمجموعة من الحلول توصلتُ لها خلال العمل والتجريب على مدار ربع قرن. وفي هذا السياق ثمة شغل على سطح اللوحة كان يتطلب مني في فترة التسعينيات إضافات إلى سطح اللوحة. هذه الإضافات لم تعد موجودة، لأن السطح أصبح خشناً بذاته، فلا وجود للكولاج أو للسطح الخشن، حيث أصبحت السطوح أصلية باستخدام معاجين الورق المصنوع يدوياً ومواد أخرى مختلفة’.


أما الزاوية الأخرى التي تمثل ركناً أساسياً في فهم تجربة الجالوس الجديدة واستيعاب خطابه فتتمثل في الاشتغال على الوجه البشري، ‘فقد كنت طوال 25 عاماً أشتغل على الوجه اشتغالاً متقطعاً أعود إليه كلما أصابني الحنين لعمل مقاربات مع وجوه الناس. كانت الوجوه تمتلك طاقة تعبيرية تحتفظ بملامح وتفاصيل. أما في اللوحة اليوم فظلت الوجوه ذاتها، لكنها لم تعد تحمل طاقتها التعبيرية السابقة، بل تحولت إلى خطوط وإشارات تبقي على الوجه وتحيله إلى سطح تجريدي، بهدف إقامة علاقة مجردة ما بين عين المشاهد وهذه الإشارات التي أصبحت علاقتها بالتفاصيل واهية، ولكن يمكن للمشاهد أن يحيلها إلى وجوهي القديمة، فهي محصورة في مربعات تعددت في اللوحات الكبيرة، بينما صار بمقدوري في الصغيرة تقديمها كمربعات مجردة بالكامل على نحو منفرد، ما يفقدها البعد التعبيري الذي اشتغلت على تغييبه’.


وبعد انتهاء المعرض في عمّان سينتقل إلى تونس لتقديم التجربة في (صالون نظرة) وهو غاليري متخصص بالأعمال الفنية والتشكيلية.


يشار الى أن الجالوس من مواليد عمان 1960. درس الفن في معهد الفنون الجميلة في عمان وحصل على بكالوريوس في إدارة الأعمال من الجامعة الأردنية. وهو عضو رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين، وعضو رابطة الكتاب الأردنيين. وكتب في مجال النقد الفني والقصة القصيرة وله مجموعة قصصية بعنوان ‘ذاكرة رصيف’. يعمل الآن مشرفاً للمراسم الفنية في جامعة فيلادلفيا. أقام العديد من المعارض الشخصية والجماعية في عمان وعواصم عربية وأوروبية عدة ، كما نال عدداً من الجوائز كان آخرها الجائزة الأولى لبينالي طهران الثاني للفن المعاصر في العالم الإسلامي 2003.

,

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *