الجالوس يجعل الوجوه و الاقنعة لعبته التشكيلية المبهرة


ربما كانت النزعة التجريدية بعنفوان تجربتها هي العامل الاكثر اهمية من غيرها في تنشيط ذهن المتلقي نحو اعمال الفنان التشكيلي الاردني محمد الجالوس، وان مصالحته الموفقة مع لونه و لغته التشكيلية، اسهمت في توجيه رؤاه حول معالم متالقة في كثير من الاحيان مع ميوله التجريدية.

و كان معرضه الذي افتتحة ضمن فعاليات الكويت عاصمة للثقافة العربية مساء اول من امسبدر الرفاعي الامين العام المساعد للثقافة و الفنون في المجلس الوطني للثقافة و الفنون و الاداب و حضره عدد من الدبلوماسيين العرب و الاجانب و الجمهور في قاعة احمد العدواني بضاحية عبدالله سالم، هو في حقيقته معرض تواصلت فيه تقنية الرؤية التشكيلية مع الحركة التي كان مصدرها تالف عناصر العمل بعضها ببعضو نعومة الاكريليك مع المواد المختلفة الاخرى هذا التالف الذي وظفة الفنان للخروج من الرمزية الى ايقاعات تشكيلية بصرية واضحه قدم من خلالها حواراته التجريدية و اسقاطاتها الفنية المتقنة على الواقع، و لعل الوجوه التي تخذت الاقنعة اشكالا لها كانت هي الوصف التاويلي لرؤاه و فكرته محاولا فيها ربط مجازها و رمزها بمونولوجات تشكيلية يمكن قرائتها و ان شئت رؤيتها و هي تتحرك فوق اسطح اللوحات، فالتركيبات العقلية الفلسفية،بمدلولاتهاو ارشاداتهاو هندسة الاشكال و و المعاني التشكيلية، جعلت من مواضيع اللوحات صورا تتلاحق فيها الافكار الى ان تلتقي في منطقة واحدة، هي الحلم، و ما يتضمنه من صراعات و تشويش ينوء تحت وطائة الانسان الذي لا نراه الا من خلال وجهه، فالوجه هو الذي اذا نظرنا اليه نقرر هل هذا الانسان يحمل في داخله الشر ام الخير، و على الرغم من ذلك فان الفنان اعتبر هذه الوجوه اقنعة يختفي خلفها الانسان الحقيقي و المزيف، و ليس باستطاعتنا اصدار الحكم على اي وجه نراه الا بعد قراءة القناع الذي يتلبسه قراءة متانيه، لذا فان الالوان عند الفنان هي الراصدة عند الوجوه و القارئ لها، فالشفاه ذات الالوان الحمراء دموية متحفزة لامتصاص دماء غيرها، و الالوان الخضراء مسالمة محبة للطبيعة، كما ان الظلال التي تعكسها الالوان على الوجوه اتسمت بالوضوح و السيولة الفنيةلتدرجات الالوان بين الابيض الخالص و الاحمر الدموي، و الاصفر الخفيف و الرمادي، و الازرق، و غيرها، و كل لون له رؤيه خاصة نابعة من تجربة الفنان مع الالوان و هي تجربة يبدو انها خاضعة انفسيته و نظرته الطموحة و الحزينة في ان واحد للحياة، و لقد تمكن الجالوس من ايجاد مغامرة بصرية نقل من خلالها حسة الرومانتيكيمن حالة السكون الى حالة الحركة المتواصلة مع ايقونته التشكيلية، و لربما ارتكز الفنان في تعميق صلته باعماله على منطق مزدوج لموضوعاته حينما النور مع الظل و السلام مع الحرب و الخير مع الشر في اللوحة الواحدةالتي قد لا تحمل اكثر من وجهين.

هذا المنطق يير الى الاغتراب المتنامي الذي ينوء به الفنان يستشعره، كما ان صدمته العنيفة التي سخرها في الوانه و اعماله، منحت موضوعاته نزعة حادة، و حساسية مفرطة في رسم الوجوه، فهو بهذه الطريقة يبحث عن علاقات جديدة تربطه بالانسان بعيدا عن الاقنعة و خداع الوجوه، مثلما نشاهد لوحة ‘هو و هي’ من خلال التداخل التقني بين وجهين لرجل و امراة، ثم لوحة ‘عشق’ و ‘امراة و ثلاثة وجوه’ التي امتزج فيها اللون الاخضر مع الاسود و الرمادي و الاحمر، كما ان وجوهه العديدة التي اطر بعضها داخل براويز ذات اطارات خضراء او رمادية حسب المدلول التشيكيلي اللوحه، عبرت بشكل او باخر عن الغياب الذي اقره الفنان للواقع او الانسان الحقيقي في مقابل حضور الانسان غير الحقيقي، ثم تطرق لمعاناة الانسان الافريقي الذي يعيش في عالم مظلم، و من ثم جائت الوجوه الترابية التي احسن الفنان فيها خلط الاكريليك مع الطين و مواد اخرى من اجل اعطاء اللوحة معناها التقريبي، و تلى ذلك لوحات احافير بمنظومتها التراثية، و قد تكون دعوته في هذه اللوحات هي دعوة الى الرجوع الى جمال الماضي، كي تلتحم في لوحات اخرىلوجوه مع هذه الاحافير للتاكيد على حضور فكرته.

يبقى التاكيد على ان تجربة الفنان محمد الجالوس بنزعته التجريدية تحمل عمقا فلسفيا راقيا على ان تكون بنيتها التشكيلية ثرية و جذابة، و لم تكن الوجوه التي رسمها في مجمل لوحاته متشابهه بقدر ما هي مختلفة من خلال تنوع و حيوية الالوان و الملامح و صياغة المواضيع و تعددية العناصر، كما ان البساطة في تناول العما التجريدي اسهمت في اعطاء معرضه بعدا فنيا مختلفا و رؤية تجريدية متوهجة بايقاعاتها السريعة، و مونولوجاتها المتداخلة، و المتالفة مع عناصر اللوحات بكل اشكالها.

مدحت سليمان

,

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *