الجالوس في معرضه الجديد بغاليري رؤي بعمان: صياغات لونية تنحت سطح اللوحة وتشتغل علي الوجوه وتجريدها


عمان ـ القدس العربي ـ من يحيي القيسي: يستضيف غاليري رؤي بعمان هذهالأيام المعرض التشكيلي الخاص بأعمال الفنان الأردني محمد الجالوس والذي جاء بعنوانشجن مجرد ومن الواضح في الأعمال الجديدة للجالوس تواصل اشتغاله علي ثيمة الوجوهالتي شهدناها في معارض سابقة له، لكن الوجوه هنا أكثر تجريدا، وأكثر إشراقا منالناحية اللونية، لا بل إن بعضها محاط بالتنقيط اللوني المنمنمات الزرقاء أوالخضراء أو البرتقالية، ومن جهة أخري ثمة لوحات أخري تذهب بعيدا في التجريد وتشتغلعلي سطح اللوحة من ناحية الكثافة اللونية، والتسنين أو التجريف الذي يبدو مثل آثارمجنزرات علي أرض طينية، إن الجديد في هذه الأعمال كما يبدو لنا هو التوغل عميقا فيتجريد الوجوه بحيث أصبحت مثل وحدة واحدة متشابهة تصغر أو تكبر، وقد تتكرر في اللوحةالواحدة لتبدو مجموعة من الرموز أكثر منها مجموعة من الوجوه التعبيرية، أما الجانبالآخر فهو النحت علي سطح اللوحة بالألوان أو باستخدام ورق ومعجون كما يبدو من أجلالوصول إلي سطح له أكثر من بعد.


يقول الجالوس في رده علي سؤال لي عما يقترحه منمقاربات جمالية أو تقنية في معرضه الجديد هذا عبر اشتغاله علي سطح اللوحة تقنياوالوجوه كثيمة:
لقد مررت بمحطات مختلفة، ظل دائما يربطها إيماني الكبير بالتجريدكمقترح بصري، وظل التجريد من وجهة نظري هو الدخول الدائم للطبيعة كمرجع، وكمتعةأمارسها بنشوة الاكتشاف، وإن داهم هذا البحث وجوه بقيت أخططها في فترة الثمانينياتثم تحولت إلي بقع لونية بخطوط عابرة في معارضي الثلاثة الأخيرة، وهي هنا وجوهاحتفظت بطاقتها التعبيرية الاجتماعية، من حيث أنها مرجع وكنز بقي يلازمني منذالطفولة، فهي وجوه لأناس أعرفهم وملامح تقاوم النسيان وتعبر به ذواتها، بل وتلزمنيالإبقاء عليها كما هي، بتفاصيلها وغموضها وأحيانا قسوة ملامحها، ولعلي في هذهالمغامرة المكشوفة، كنت أقول نفسي ومن حولي، بقليل من الكلام وكثير من اللون، كيفلي أن أتخلص من ذاكرتي، وكيف لي أن لا أحاصر هذه الوجوه في مربع الشك، ومربعالدهشة، فهي لن تتخلص مني إن حاولت، تكشف ما في داخلي بعيونها المغمضة، وتقولدواخلها دون استئذان أو عتب. هذه الوجوه هي ذاتها التي دفعت بي إلي أتون القسوة،قسوة السطح الخشن، حتي أنها تنازلت عن ملامحها ودخلت في دائرة البصري البحت، مربعالتجريد، دون أن تفقد سطوتها علي العين، فهي حاضرة في غيابها، تحاصرها ضربات السكينوتداعيات معجون الورق الذي طالما شكلتها به في سنوات عديدة مرت.


أقترح في هذاالمعرض حلولا لغياب الملامح تحيل التعبيري إلي بصري، وتحيل البصري إلي مشهد منالطبيعة الأم، كيف لا والطبيعة هنا هي الأمل وحاملة الأسرار، أقصد أسرار المادة تلكالتي أعمل بها وعليها منذ أكثر من عقدين، وما زلت .


أما عن الاشتغال علي السطحبطريقة المسننات وهل هي مقاربة لفن الطبيعة وتضاريسها أم رؤية خاصة جاءت الجالوس منذكريات الطفولة مثلا يقول:
الطفولة تذهب بعيدا في لوحتي، ثمة جدران كنت أرسمعلي سطحها أشكالي الأولي، وأصباغ هي بقايا الحناء أو سطوة السخام الذي أتينا به منفحم المواقد في شتاء المخيم، شتاء القسوة والمطر الذي يغمر الطريق إلي المدرسة أوعيادة الوكالة أو مطعمها العمومي، كنت وأطفال الحارة نصطف في طابور طويل بغيةالحصول علي وجبة ساخنة مضافا إليها الحليب أو حبة زيت السمك…، هناك بعيدا حيث مازلت، كنا نرسم صور الطائرات وطيور الحب ونكتب أسماء البنات دون استئذان وبشجاعةفائقة، ونغرز فيها قلوب العشق الأول وسهام التلويحة الأولي. كانت ثمة لوحة مهيأةاستحضرتها كي أري وجهي الطفل من جديد، فهي لوحات لا تنتمي للفن المعاصر، بل تنتميلحارتي بل وتعلمني كلما استعصي علي فهم ما يدور من حولي من تشكيل سواء كان عربيا أوعالميا، وهذه المسننات التي يراها المشاهد ما هي إلا استعارة من الكرتون المسنن ذلكالذي أضفته إلي اعمالي في التسعينيات، وأصبح الآن أصيلا علي السطح دون لصق أوكولاج، هي ببساطة حرية الرسم بلا قيود او مسميات أو أسلوبية أري أنها كذبة يخبيءالفنان عورته فيها خوفا من البحث أو التجريب. أما المجنزرات فقد تركت آثارهاالموحشة في نسيج لحمنا ولم تكتف بتراب أزقتنا أو رمل صحرائنا، لا أدعي أنني مهتمبتتبع خطي المجنزرات بل أدفعها بجمال الطبيعة وغموض شكلها .


وردا علي سؤال عنفكرة التنقيط او المنمنمات وهل هي قادمة من الفن الفارسي مثلا أم مقاربة جماليةمنسجمة مع فكرة الوجوه يقول الجالوس:
لا أخفي اعجابي بالمنمنمات، وهي طارئة عليلوحتي فليس لدي الصبر علي حبس أنفاسي طويلا كي أرسمها، بل هي زيارة قصيرة جدالتنقيط عابر داهم لوحتي ذات مساء أو صباح لا أذكر، وهو تنقيط غير مقيم، المقيم فيداخلي ويدي، هو محو التفاصيل بالفرشاة العريضة، تلك التي تمنحني فرح الرسم وتبقيعلي ولي حرية البحث والرقص بعيدا عن الأناة، فأنا متسرع في علاقتي باللوحة، وهذاالتسرع مبعثه طفولتي التي احاول الإمساك بها وهي تهرب وأنا أتبعها متلعثم الكلام،حاث الخطي، مرتجف الأطراف، أستحلفها أن تبقي في، وأن لا يداهمها النسيان .
منجهة أخري أقيمت في غاليري رؤي ندوة نقدية عن أعمال الجالوس قدم فيها الناقدعبدالرؤوف شمعون رؤيته التي جاءت بعنوان لا حدود آمنة لأي اسلوب ، كما شارك الشاعرموسي حوامدة بمداخلة بعنوان السفر الي حديقة النار إضافة إلي شهادة للجالوس عنتجربته.


يقول شمعون ان الجالوس دائم الشك فيما يقدمه كشكل مكتمل، حيث ظل مشغولابصياغة علاقات جديدة للاشكال ودلالتها وبالفراغ، وما يمكن ان يملأه من عناصرومكونات وهذه افضلية القلق الجمالي التي نقلته بدورها من التشخيصية التعبيرية اليجدل اوسع من السطح الابيض بعد ان استطاع ان يخلص تجربته من تبعية مقاربات مع تجاربالغير.
ان مثل هذا الجهد هو ارادي ومضن، لكنه هام للتجاوز الي ميزة التفرد…،استطيع القول بأن الفنان الذي لا يريد ان يتعارض مع نفسه.. او لا يقوي علي هذا،انما ينغلق داخل ذائقته ويستسلم للثبات وتحاصره النمطية وقد يصاب بما أسميه هنابالتصحر البصري، فوفق حساسية جديدة وبتأمل دقيق لعناصر من الطبيعة يستخلص الجالوسمجموعة مفردات وعلاقات يؤلف بها مساحة جمالية ونفسية قد تبدو متوارية خلف ملامحالاشكال المرئية في الواقع، والتأمل ذكر كشرط لازم لدي انجاز قائم علي فكرة البحثعما وراء السطح الظاهر…. في اعمال الوجوه مثلا يقدم الجالوس نسقا بصريا يسهم فيالانتقال التدريجي من وجه لاخر. اذ لا وجود لنقطة مركزية، اي لا وجود لوجه مغاير فيالشكل او في الحجم او في اللون، كي يصير منطقة جذب استثنائية. لهذا تدعونا الحركةالبصرية الي نسق هذا الانتقال، المتوالي هندسيا بحيث يصعب علي المشاهد ان يحسمرغبته في التوقف عند وجه محدد .


أما حوامدة فقال لم يكتف محمد بخصيصة الوجهالواحد، او ميزة اللون المنفرد، فراح يكثر من تعداد الوجوه، ومن مزج الالوانالرمادي مع الترابي، الترابي مع الازرق، الاحمر مع الطيني، الترابي مع الابيضوالاصفر، والطبيعي مع الاخضر مع الاخضر النافر او الداكن فاتحا مخزن الالوان علياتساعه مؤكدا ان لغة الطين ليست واحدة، وان لون الحياة ليس صنفا بعينه، لكن الالمالذي حفر داخله وهو يقبل يدي والدته ويلتفت الي جهة بعيدة، ظل ينز في داخل روحه حتيصار وطنا، يمتد داخل اطار اللوحة، لكنه يمضي عميقا حتي يصل طريقه وسط غابة اللونالطبيعي وهو يلوح بلون النور .


ومما يذكر هنا أن الفنان الجالوس من مواليد عمان 1960، ودرس خلال الفترة من 1979-1981 الفن في معهد الفنون الجميلة بعمان، كما حصلعلي بكالوريوس في إدارة الأعمال من الجامعة الأردنية، وهو عضو رابطة الفنانينالتشكيليين الأردنيين وتولي رئاستها خلال الفترة من 2003 ـ 2004، وهو عضو رابطةالكتاب الأردنيين وعضو الرابطة الدولية للفنون التشكيلية إياب في باريس منذ عام 1992. كتب في مجال النقد الفني والقصة القصيرة. وعمل في مجال إدارة المعارضوالتصميم الفني وتعليم الفن للمرحلتين الابتدائية والثانوية. عاش بين عامي 1994 ـ 1995 في مدينة نيويورك وشارك في العشرات من ورش العمل الفنية في مختلف دول العالموكتب عنه في العديد من الصحف والمجلات المحلية والعربية والعالمية هذا إضافة إليالعديد من البرامج والمقابلات التلفزيونية في الفضائيات العربية وعلي مدار ربع قرنمن العمل في مجال الرسم إضافة إلي عشرات المعارض الخاصة والجماعية وقد فاز بالجائزةالأولي لبينالي طهران الثاني للفن المعاصر في العالم الاسلامي 2002 ـ 2003.
منمؤلفاته:
1984 ذاكرة رصيف، مجموعة قصصية، دار اسيا للنشر.
1997 بيوت منالسلط، لوحات مائية للسلط، جمعية التقدم، عمان.
2002 وجوه من الداخل، دراسةنقدية ولوحات فنية ، فاست لينك، عمان – الاردن.
2004 عربية يا بيوت القدس، لوحاتمائية، الهلال الاحمر الفلسطيني، عمان

,

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *