يقيم معرضه «عزف بصري» في المركز الثقافي الفرنسي:


محمد الجالوس يستفز التخييل ويهدم التكوين ويفتح باب التأويلات

الدستور – جهاد هديب
كما لو ان الرسام محمد الجالوس في لوحته يرغب في تحطيم التكوين، ملاحظة عابرة من المحتمل ان تؤاتي المرء فيما يتجول لمرة اولى في معرضه (عزف بصري) المقام حاليا في قاعة المركز الثقافي الفرنسي والذي يستمر حتى الرابع من الشهر القادم.
غير جولة تحتاج العين للامساك بمفاتيح اللوحة. ليس لان الخطاب اللوني ها هنا تجريدي فحسب بل لان اللوحة ايضا تستدعي التأمل واستفزاز التخييل. ما يعني ان الجالوس اذ يهدم التكوين في لوحته فانه يتقصد ان يكون لعمله تآويل عديدة من ذلك النوع الذي يحتاج (ادوات) غير جاهزة قد تنتج توصيفا غير مسبوق للوحة، والا ظلت مدورة والمتلقى يطوف حول قلعة من دون بوابات بحثا عن لؤلؤة.
هل تشي لوحة الجالوس، التي حملت اسم واحد الكل تجلياتها الواحد والثلاثين هو عزف بصري، بعدائية ما تجاه العالم؟ ان الوقوف امام اللوحة (24)، في ذلك الطرف القصي من قاعة المعرض، ومحاولة استنطاق اللون عبر اللغة الضيقة يقول بعدائية (ما) هي عدائية بالمعنى الشعري، ربما هي عدائية لونية اكثر منها عدائية الرغبة العالية في تحطيم التكوين.
ويمكن القول ان اللوحة (24) نموذج للعزف الجالوسي في (عزف بصري). وفي التوصيف فان هذه اللوحة جاء فيها الالصاق غير الكولاجي لخامة الكرتون اكثر عفوية سواء كان نافرا ام غير نافر كأن الجالوس ارادها خامة لونية ذات ملمس متعدد اكثر من انتباهه الى معالجتها عنصرا من عناصر تكوين يصر على تحطيمه. الجالوس في تعامله مع هذا اللون/الخامة لا يلجأ الى التنويع فيه بل هو يحرق ترابيته (اذ لونه من التراب تماما) ويسعى الى طمسها بالابيض في احيان كثيرة.
خلفية هذه اللوحة مثلما هي الخلفية في اغلب اللوحات بني محروق واسود. محمد الجالوس يؤسس لوحته على هذا الفضاء التخييلي من الاحتراق الذي يسود فيه اللونان الشقيقان: الاسود والبني المحروق. ربما هي رؤيته الى العالم واحساسه بالاشياء والاشكال والالوان وربما ان احتراقا ما هو موجود في الذاكرة خلف ذلك السواد وليس الرماد. لكن ذلك نافل امام نسيج بصري متعدد ومتنوع وممسوك باحكام الى هذا الحد.
في اللوحة المشار اليها يجيء اللون الاحمر في مركزها محورا مفاجئا للمتفرج يدور حوله المعنى كله او اللامعنى كله للوحة من حيث هو لون او لا لون، كأن شدة العدائية تلك تبدأ من هنا من اللون الاحمر بكل دلالته السيكولوجية والحلمية.
وعبر لمسة عفوية بالفرشاة مغموسة بلون احمر يمكن للمتلقي ان يفتح مخيلة اللوحة ويلج الى عوالم غير محددة وغير نهائية، عوالم قابعة في (ربما) كأن الكلمة هنا شيء. يمكن نقله من هذا الطرف الى ذاك. كأن الكلمة (لون) يمكن توصيفه ومن غير الممكن توصيفه. كأن الرسام الجالوس ينفي اللون بلون ويثبته في غير حاجته لمعنى باحثا في الذاكرة عما لا يمكن القبض عليه.

,

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *